الإعلام والتكنولوجيا الرقمية .. تطور مستمر وتحديات جديدة
تمر صناعة الإعلام العالمية بنقطة انعطاف حادة تحت تأثير التطورات التكنولوجية المتسارعة. يتوقع معظم الخبراء نهاية تامة للصحافة الورقية خلال عقد أو عقدين من الزمن على الأكثر. الإعلام والتكنولوجيا الرقمية في تحدي مستمر من أجل التوافق ومواكبة تفضيلات الجمهور حول الأساليب والأنماط المناسبة لهم.
لكن هذه ليست المسألة الوحيدة التي تواجه الإعلام، فحتى الإعلام التقليدي الذي تحوّل إلى رقمي بالكامل، بات يواجه تحديات كبيرة من حيث العائدات بسبب هيمنة شركات الإنترنت الكبرى -مثل غوغل وفيسبوك- على سوق الإعلانات الرقمية. ويواجه أيضاً تحديات أخرى ناجمة عن وقوعه تحت ضغط اللحاق بالتطورات التكنولوجية المتسارعة التي تؤدي إلى تغيير عادات القراءة لدى الناس.
استشراف مستقبل الإعلام والتكنولوجيا الرقمية
تبدو مهمة استشراف مستقبل البلدان غير المتقدمة من زاوية تأثير التكنولوجيا على مختلف قطاعات الحياة فيها، سهلة نسبياً. فالمستقبل في هذه البلدان غالباً ما يكون ماضياً في البلدان المتقدمة.
أصبح واضحاً أن الإعلام العالمي يتجه نحو الوسائط الرقمية والمتنقلة، لكن هذا لا يعني أن جميع الوسائط الأخرى ستختفي كلياً في المستقبل القريب
ففي الولايات المتحدة توقفت كثير من الصحف والمجلات عن إصدار نسخها الورقية قبل فترة طويلة، فقد أوقفت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” إصدار نسختها الورقية عام 2009، وتبعتها مجلة “يو.أس نيوز أند وورلد ريبورت” عام 2010، ثم مجلة نيوزويك عام 2013. وحذت حذوها العديد من الصحف والمجلات الأميركية والإنجليزية والفرنسية، وغيرها.
أما عربياً، فقد تحولت مجلة “الأسبوع العربي” إلى النسخة الإلكترونية عام 2013، وسبقتها إلى ذلك مجلة “الآداب” اللبنانية عام 2012. وكانت صحيفة “السفير” التي توقفت عن الصدور مطلع العام 2017، آخر الضحايا.
الإعلام والتكنولوجيا الرقمية .. التوجه نحو الإنترنت
سجلت إعلانات الإنترنت عام 2016 نحو 177 مليار دولار عالمياً، وهو ما يعادل ثلث إجمالي الإعلانات من كافة الأنواع المسجلة في نفس العام. ونالت غوغل الحصة الكبرى بنحو 79.4 مليار دولار، بينما حلت فيسبوك في المرتبة الثانية بنحو 26.9 مليار، وإذا ما أضفنا إليهما ما نالته بايدو ومايكروسوفت وياهو وفرايزون وتويتر، وجدنا أن هذه الشركات السبع ظفرت بثلاثة أرباع عائدات إعلانات الإنترنت في العالم.
وقد تجاوزت قيمة الإعلانات عبر الإنترنت قيمة الإعلانات التلفزيونية لتصبح شبكة الإنترنت أكبر وسيط إعلاني في العالم، وفقاً لبيانات وتحليل وكالة زينيث (المتخصصة بالتسويق الإعلامي).
وفيما يتعلق بالبلدان العربية سجلت إعلانات الإنترنت نحو مليار دولار فقط عام 2016. وعلى الرغم من أن هذا الرقم لا يمثل سوى 5% من إجمالي الإنفاق الإعلاني العربي لنفس العام، فإنه يشهد نمواً سنوياً كبيراً بنحو 20%، مقابل تراجع الإنفاق الإعلاني على وسائل الإعلام الأخرى، وهذا ما ينبه إلى ضرورة زيادة الاهتمام بالإعلام الرقمي، وإلى بناء شراكات إعلانية مع شركات الإنترنت العالمية الكبرى، إذ يلاحظ مثلاً أن الإعلانات المقدمة من غوغل باتت تظهر على شبكات إعلامية محترمة كشبكة بي.بي.سي.
التوجه نحو الهواتف الذكية
يقدر عدد مستخدمي الهواتف الذكية في العالم حالياً بنحو 2.5 مليار (من أصل 7.5 مليارات اشتراك)، وهو أكبر من عدد أجهزة الحاسوب الشخصي المستخدمة التي يقدر عددها بنحو ملياري جهاز. وهذا الفرق مرشح للإزدياد بمعدلات عالية، حيث يتوقع أن يصل عدد مستخدمي الهواتف الذكية عام 2020 إلى ستة مليارات مستخدم.
أما في البلدان العربية التي وصل فيها عدد اشتراكات الهاتف المحمول إلى نحو 430 مليوناً حالياً، فيقدر عدد مستخدمي الهواتف الذكية فيها بنحو 150 مليوناً، وهو أكبر بكثير من عدد الحواسيب الشخصية المستخدمة الذي يقدر بنحو 90 مليوناً.
بينما تتزايد عاماً بعد عام نسبة الذين يحصلون على الأخبار من خلال الإنترنت، فإن تحسين الخدمات التي يقدمها الإعلام العربي على الهواتف الذكية أصبح ضرورياً لكسب شرائح واسعة من متابعي الأخبار، والحصول على قسم من عائدات إعلانات الهواتف الذكية المتزايدة بسرعة. هذا تحدي تفرضه معادلة التوافق بين الإعلام والتكنولوجيا الرقمية
لقد أدى انتقال الإعلام العالمي نحو الوسائط الرقمية والمتنقلة وتطور أبحاث الذكاء الاصطناعي إلى بروز توجهات جديدة من الضروري أن يخطط الإعلام العربي لتبنيها.
الإعلام الموزع
يتمثل الإعلام الموزع في بروز خدمات جديدة تتيح جلب وعرض المقالات على شاشات الهواتف الذكية بسرعات عالية تصل إلى عشرة أضعاف سرعة جلبها العادية. وتعتبر خدمة المقالات الفورية من فيسبوك والصفحات المسرعة من غوغل وسناب شات ديسكوفر؛ من أهم خدمات الإعلام الموزع، فقد استخدمها العديد من الناشرين في الولايات المتحدة مثل فوكس ميديا وواشنطن بوست بهدف زيادة دخلهم الإعلاني.
الصوت كواجهة استخدام وسماع
تشير معظم التوقعات إلى تعاظم دور الصوت كواجهة استخدام للهواتف الذكية والأجهزة المحمولة الأخرى، وتتنبأ بانتشار الإعلام الصوتي بسرعة كبيرة. ولا يقتصر الإعلام الصوتي على إصدار الأوامر، بل أيضاً على الإستماع إلى النصوص التي تقوم البرامج بقراءتها.
وفي هذا الصدد صرحت شركة أمازون أن عدد المنتجات التي تسمح بتصفح الإنترنت عبر الصوت والتي باعتها خلال أعياد الميلاد عام 2016، بلغت تسعة أضعاف ما باعته عام 2015 بأكمله، ولم تكن أسعار الكثير منها مرتفعة إذ بلغت 50 دولاراً.
وتتوقع شركة غارتنر للأبحاث أن يستحوذ التصفح بالصوت على 30% من عمليات تصفح الإنترنت بحلول العام 2020، وقد أدى ذلك إلى بدء انتشار استخدام المساعدات الرقمية الصوتية في الإعلام مثل أليكسا من أمازون ومساعد غوغل وكورتانا من مايكروسوفت وسيري من آبل، الأمر الذي أدى بدوره إلى احتدام المنافسة فيما بينها.
الكثير من المقالات المالية والرياضية، وتلك المرتبطة بالكوارث الطبيعية، أصبح يجري إعدادها من قبل البرامج الذكية اعتماداً على القوالب المسبقة الصنع .. وهو شكل من الاشكال الحديثة في العمل بين الإعلام والتكنولوجيا الرقمية